"التاريخ مليء بالفروسية ويشكّل هؤلاء الناس غالبية المقابر في أي مقبرة عسكرية." - دوس ماكدونالد
شيء لم يسبق له مثيل في تاريخنا. فقد كان هناك زمن يتحدّى فيه الملوك بعضهم في مبارزة السيوف قبل المعركة العظيمة. هنري الخامس تحدّى تشارلز السادس، وكان تشارلز مجنون جداً على أن يحمل سيفاً. تم عرض نفس التحدّي على الإبن البِكر للملك الفرنسي، إلا أنه كان صغير العمر وبدين. "يا فتى"، قال هنري، "لا يمكنك أن تجعل ملوك فرنسا يقاتلون مبارزة بسيطة بعد الآن." (شكسبير وصفها بشكل أفضل، لكن أعتقد وصلتك الفكرة).
كانت ممارسة الملوك للمبارزة شائعة في عصر الفروسية. فبدلاً من استنزاف الملايين من الديون، وفقدان الآلاف من الرجال المدربين، وتدمير المنطقة بشكل أساسي، كانوا يعرضوا القيام بالمعركة بأنفسهم. لقد كان عملاً شجاعًا، لأن بعض الملوك كانوا من قدامى المحاربين في حروب سبقت و هم في سن السادسة عشرة ( مثل هنري الخامس)، لذا لم يكن بإمكانهم الاعتماد على محارب كالإبن البِكر الفرنسي الصغير.
كان هنري ملكًا ذكيًا. و لم يكن سراً أن تشارلز السادس اعتقد أنه كان حصاناً، وأن الإبن البِكر الفرنسي لم يكن يعرف أين هي مقدّمة الرمح. لذلك لم يكن تحدي واحد منهما - أو كلاهما - يمثل الكثير من المقامرة. ومن المؤكد أنه لم يكن من الجيد أن تتراجع فرنسا عن أي تحدي. في الحقيقة، يبدو تحدي صغير وتافه، وهو بالضبط ما كان هنري الخامس يريد.
بحلول الوقت الذي حصل فيه هنري على جميع عساكره، وخيوله، وبنادقه، ومدافعه، وأطباءه، وصانعي الأحذية و كشّاشي الذباب إلى ميناء هارفلور الفرنسي، كانت الأمور مشوشة للغاية. مثل معظم حروب ذلك الزمان، لم تكن السهام والمدافع ما تُسقطت الجيوش، بل كان مرض الزحار المعوي. فقد أصيبت القوات الإنجليزية بمرض الزحار المعوي، حتى مزّقوا ملابسهم الداخلية.
في هذه الأثناء، كان الفرنسيون يجمعون أعدادًا هائلة من الرجال. لقد كان جيشًا مثيرًا للإعجاب جدًا، باستثناء أنهم قد دخلوا في مضايقات بعضهم البعض أو مجادلات حول من كان يقود الطليعة. مع كل المشاحنات والجدالات المستمرّة، رفعت بعض الفرق العسكرية أيديهم بقولها "ميرد!" (يعني خراء بالفرنسية) وانصرفت إلى بيوتهم. و آخرون لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الظهور (مثل جون المشهور بالذي لا يعرف الخوف، كما اتضح لاحقاً، لم يكن شجاعًا أبداً).
مما زاد الطين بلة، فقد تم حرث ساحة المعركة، و لاحقها هطول أمطار طوال الأسبوع. من كان سيأتي إلى أرض المعركة أولاً (و هذا ما فعل الفرنسيون)، سيغوص في الوحل إلى ركبتيه (وهذا ما حصل). كانت الأوامر للفرسان أن يدخلوا أولاً. يالها من خيول غبيّة! و ربح "هنري الخامس" معركة "أغينكورت" بالبقاء خارج الوحل.
وقد أثبتت هذه الاستراتيجية أنها ممتازة، حيث أنها سمحت للرماة بقصّ الآلاف من الرجال والنبلاء والفرسان. قضى الإنجليز عمليا على الأرمانياك، التي يمكن القول إنه أقوى حزب في فرنسا، مما جعلهم لا يملكون خيارًا سوى العودة إلى صنع شراب البراندي الذين عرفوا به.
للحكمة ما عليها، فمن الأفضل لتشارلز السادس أن يذهب للمبارزة بدلاً من الحرب - أو يركب الإبن البِكر الفرنسي إلى الوحل. في كلتا الحالتين، كان يمكن أن ينقذ آلاف الأرواح و الأموال الطائلة - ناهيك عن تجنب الإحراج لخسارة إلى مجموعة من الإنجليز بإسهال الزحار القاتل.
كما أسلفت، كانت المبارزة بدلاً من المعارك الفعلية يتلاشى بالفعل. بعد حرب "المئة عام"، كانت المبارزات الوحيدة التي تم خوضها هي شخصية، ومعظم المبارزين لم يفعلوا أكثر من خدش بعض أطراف الأشجار.
قد تقول إن فقدان الشهامة عند الؤساء قد غيّر مفهوم الحرب برمته. مع عدم وجود أي فرصة لهم لحمل سلاح، أصبح زعماء العالم متحمسين جدا للصدامات العسكرية. لم يعد الملوك و الرؤساء يتورطون بعد الآن، مفضلين إطلاق السفن عن طريق تحطيم زجاجة الشمبانيا على مقدمتها. الحروب الآن تركت للرؤساء ورؤساء الوزراء وأعضاء مجلس الشيوخ، وجميعهم، مثل الإبن البكر الفرنسي، لا يعرفون من أين هي مقدمة سلاح عن غيره.
من المسلّم به أن تيدي روزفلت قد صعد تل سان خوان،و لكنها كانت أكثر بفرصة لالتقاط الصور له عن حرب حقيقية. ولكن على الأقل بذل جهد. القادة اليوم لن يفكروا حتى في محاربة أنفسهم. ألقى ونستون تشرشل خطابات عظيمة، يقول فيها: "لن نستسلم أبداً !!" ، لكنه لم يكن بيده سيف يؤشّر به (كان سيجار كوبي فاخر).
لا، خذ الفروسية من المعادلة، وما يبقى لديك هم "محاربون على كراسي"، على استعداد لتخصيص المليارات للحروب دون حتى رؤية ساحة المعركة. من المؤكد أنهم يحيطون أنفسهم بخبراء عسكريين، كثير منهم لديهم خبرة مباشرة، ولكن هذا ليس هو نفسه مثل قيادة القوات الخاصة بك في معركة مثل هنري الخامس وريتشارد الثالث (تم العثور على جثة ريتشارد و الرمح في ظهره، و هذا ما لم يتكلّم عنه في الكتابات الشكسبيرية).
من بين الرؤساء الأميركان الستة السابقين، جورج دبليو بوش الابن فقط عمل عسكرياً (تم إسقاطه كطيار بحري). كان رونالد ريغان في الاحتياط (في الواقع ترفّع لكابتن بحلول عام 1953)، لكنه مثّل في فلم "وقت النوم لبونزو" ، الفيلم الذي موضوعه هو قرد. خدم جورج دبليو بوش جانبياً خلال حرب فيتنام، لكنه حصل على تسريح مبكر في عام 1973. والرؤساء باراك أوباما ودونالد ترامب لم يروا الخدمة العسكرية (تلقى ترامب أربعة تأجيلات تعليمية وتأجيل طبي واحد خلال حرب فيتنام).
و حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام: من بين جميع الطغاة والديكتاتوريين والمجندين الموثوقين الذين أزاحتهم الولايات المتحدة في العشرين سنة الماضية، بما فيهم معمر القذافي وصدام حسين ومانويل نورييغا وأسامة بن لادن، كان معظمهم يتمتعون بخبرة عسكرية (وأنا متأكد من أنهم كانوا ليفضلون المبارزة مع الرئيس الأمريكي عن الموت أو السجن.
لا، الحروب ليست كما هي بعد الآن. بينما قاد هنري الخامس قواته في معركة في أغينكورت ونابليون قاتل في واترلو ، يسعد الرئيس ترامب لرش بضعة مليارات إضافية لدعم الجيش (مثل إرسال الزهور إلى جنازة بدلا من الحضور).
اليوم، لا يمكنك أن تتخيل قادة العالم الكبار يتنازعون، أو حتى أن يكونوا على بعد آلاف الأميال من ساحة المعركة. بدلا من ذلك ، يناقشون التزامات حلف الناتو، وهو أمر كان ترامب يفعله منذ أن بدأ حملته الإنتخابية.
في هذه الأثناء، خفّض (الشرير) فلاديمير بوتين الإنفاق العسكري الروسي بنسبة ٢٥،٥ في المائة لعام ٢٠١٧م، حيث انخفض من ٣،٨ تريليون روبل إلى ٢،٨ تريليون روبل. يبدو أن روسيا ليست قلقة بالخصوص عن تدمير الغرب بعد الآن. أنا متأكد من أن بوتين وصل إلى استنتاج أن ترامب سيموت تحت وطأة بريده المليء بالكراهية له، فلماذا إذن مشقة صناعة صاروخ لكل صاروخ؟
على أي حال، فقدنا مهاراتنا العملية، و الشهامة التقليدية القديمة. تخيل كم من الملايين (المال والأشخاص) يمكن إنقاذهم إذا تحدى زعماؤنا ببساطة كيم جونغ أون، زعيم داعش أبو بكر البغدادي أو بشار الأسد السوري إلى مبارزة قديمة الطراز. وأنا أعلم أن كيم جونغ أون، من شأنه أن يقطع ثقبًا في مقعد سرواله الداخلي. أما الأسد فقد كان بدون سروال لسنوات.
لا يمانع بوتين باشتباك الأيدي بعض الشيء، لكنه يفضّل أن يراقب زعماء العالم الآخرين يتناحرون فيما بينهم بالتزامات حلف الناتو. فمعظم البلدان تقل عن 2٪ المستلزمة من الناتج المحلي الإجمالي لتظل "دولًا مدافعة". إنه يشبه إلى حدٍ ما جون "الذي لا يعرف الخوف"، أن يسمح للأرمنياك بمحاربة معركة أغينكورت. من الأفضل أن تدع الآخرين ينشغلوا بالزعاق كالبط، ثم ترى من يترك ريش على الأرض.
اتخذ الرئيس ترامب طريقا أقل شهامة، ورفض أن يهز يد أنجيلا ميركل. لقد وضع الكثير من الثقة في نزاقته. كانت تتمكن ميركل من مجابهته، على أي حال ، ليس هناك من نتيجة أن تسمح لفتاة بإهانتك عندما تتمكن من رمي ٥٤ مليار دولار في صندوق الحرب العسكري بدلاً من ذلك.
في السياق التاريخي، على الرغم من ذلك ، لا يزال صغيراً و تافهاً.